بسم الله الرّحمن الرّحيم
اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً
اللهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الحُسَيْن عَلَيهِ السَّلأم يَوْمَ الوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْق عِنْدَكَ مَعَ الحُسَيْنِ وَأصْحابِ الحُسَيْن الّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلأم
محرم – 1431 هـ - 18-12-2009 م
الليلة :: الأولى
المكان:: حسينية القصاب – المنامة ( مملكة البحرين)
عنوان المحاضرة :: قضية عاشوراء برؤية ايجابية
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ آية 62 سورة يونس
الإيجابية في كل أمر لا تعني الإسترسال والإنفلات إنما المراد منها تقييم الحقائق بصورة مدروسة ، وليس الإسترسال بمعنى أن الإنسان لو استرسل في غرائزه وشهواته وأعطى المجال لها إنما الأمر سيؤدي إلى طغيانها وإلى تدمير نفسه في حين لو حاول أن يروض هذه الغرائز فأنه سيسيرها في الجانب الإيجابي فالإنسان الإيجابي هو الذي يقيم حياته ويدرس المراحل التي يمر بها .
كثيرةٌ هي الظواهر التي يخفى أمر جانبها الإيجابي على البعض .. فالبعض قد ينظر إلى النوم على اعتبار أنه ظاهرة تُعطل قوى الإنسان فلا يقوى على الحراك فقواه الجسدية قد عُطلت .. بينما النوم في حد ذاته هو السبيل لتجديد الخلايا ونشاط الروح لمزاولة العمل في اليوم الجديد فالله تبارك وتعالى هو الحكيم الخبير قد برمج بعض الغدد الموجودة في أجسامنا لا تعمل إلا أثناء النوم فالكثير من الهرمونات الضرورية لنمونا وصحتنا لا يتم افرازها إلا عندما تخلد أجسامنا للنوم والراحة .
و لو نظرنا إلى ظاهرة تشذيب الأشجار ، في شكلها الظاهري تبدو العملية وكأنها تقليل من عدد الأوراق وجعل الأغصان أقصر طولا مما هي عليه بينما هذه العملية مهمة جداً لتهيأة الشجر للنمو بطريقة صحيحة وهي بالتالي تؤدي إلى انبتاته بشكل سليم .
وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى الكثير من الظواهر الكونية التي قد ينظر إليها البعض بنظرة سلبية جهلاً منهم بالحقيقة الجوهرية والعلة الغائية التي من أجل تمت هذه الظاهرة وتلك ..
وكما هو الحال في هذه الظواهر .. نرى أن قضية ( عاشوراء الحسين ) ينظر إليها البعض بنظرة سلبية قاصرة جهلاً منهم بالحقائق النورانية التي تتخللها .. فترى أنهم يبتهجون ويباركون لأنفسهم وأصحابهم بهذه الذكرى البهيجة على حد تعبيرهم !
عندما كنتُ في المطار في طريقي إلى البحرين .. كنت أُقلب احدى الصُحف العربية والإعلام العربي كعادته إعلام هزيل وضعيف فهو اعلام للتملق وستر الحقائق .. وجدتُ أن الصحيفة قد نشرت إعلاناً اخذ مساحة من الصفحة كتب في اعلاه ( لا تسبوا الصحابة ) والجهة الممولة هذه نفسها هي التي تُبارك حلول شهر المحرم وتكتب : بمناسبة قرب حلول يوم عاشوراء الطيبة !! ثم يكتب : ابتهاجا وفرحا بهذه المناسبة السعيدة !! عم يقصد ( شهر ذكرى استشهاد سبط الرسول وريحانة البتول ) ! الآن نحن بداية شهر محرم بدأوا يجعلون اعلاماً سلبياً امامنا !! فكيف نسكت ونلتزم الصمت ولانريد على اباطيلهم .
أنهم يكفرون الصحابي الجليل ابا طالب هذا وهو مؤمن قريش وناصر الرسول صاحب التربية المثالية ، هذا الذي حمى الرسول صلى الله عليه وآله فالرسول عليه افضل الصلاة والسلام لم ينال أذى طوال فترة حياة عمه أبي طالب فهو الذي دفع بولده علي
عليه السلام لينام في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليحافظ على رسول الله حيا ..
أنهم يقولون لا تسبوا الصحابة .. ويشيرون إلى اللعن ..
( اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع لهم على ذلك ) ..
بينما اللعن هو دعاء بمعنى الطرد من رحمة الله عزوجل .. والقرآن الكريم مليئ بالآيات القرآنية التي تحوي كلمات منها (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آية 61- سورة آل عمران
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ (88)- سورة البقرة
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159)-سورة البقرة
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)- سورة البقرة
أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)- سورة البقرة
والكثير الكثير من الآيات
..
أوجه هذه الكلمة لهم ::
اذا كان البعض يسب الصحابة انتم تكفرون الصحابة ؟؟
كيف يتجرأ البعض ان ينال من الناصر والمحامي لرسول الله صلى الله عليه واله ابو طالب عليه السلام .. والروايات والاخبار تضافرت بإيمانه واسلامه .
وفي الرواية : ان فاطمة بنت اسد رأت النبي صلى الله عليه واله يأكل تمراً تزداد على كل الاطايب من المسك والعنبر . فقالت : ناولني انل منها .. قال لها لاتصلح الا ان تشهدي معي : ان لااله الا الله واني محمد رسول الله ، فشهدت الشهادتين فناولها ، فاكلت فازدادت رغبتها وطلبت اخرى لأبي طالب عليه السلام فعاهدها ان لاتعطيه الا بعد الشهادتين ، فلما جن عليها الليل ، اشتم ابو طالب عليه السلام نسيماً ما اشتم مثله قط وذلك لانه من طعام الجنه ، فاظهرت فاطمة بنت اسد عليها السلام ما معها فألتمسه منها فابت الا ان يشهد الشهادتين فلم يملك نفسه ان شهد الشهادتين ن فعاهدته على ذلك فأعطته ما معها وآوى الى زوجته فعلقت بالامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في تلك الليلة .. ولما حملت بعلي عليه السلام ازداد حسنها فكان يتكلم في بطنها .
.. هذه السنة انا في احد امام حمزة سيد الشهداء بيدي الزيارة قال سكرها قلت له لماذا قال لأن بها سب قلت له اخذ اقرئها انت قالها لن اقرئها ..!
إذا كانت زيارة الائمة شرك وكفر !!
ثم اخذت اقرأ سورة الواقعة وقال لي ايضا : انه شرك !! قلت قراءة القران شرك ؟؟ فلم يرد علي لعدم معرفته بالجواب .
من الذي اجاز لهم تكفير المسليمن ؟ ياللعجب !!
نحن بحاجة إلى طباعة بنرات كبيرة تناهض التكفير ..
والبعض الآخر لا يكفر وإنما يستنكر فيقول..
لماذا تُحيون ذكرى الدماء ؟! انما هذه سلبية منكم ..
ان الإمام المفدى الحجة ابن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يقول :لقد قتلوا بقتلك الاسلام ، وعطلوا الصلاة والصيام ، ونقضوا السنن
والاحكام وهدموا قواعد الدين وحرفوا ايات القران
..
وهذه الكلمة أوجهها ليس إلى اتباع مذهب أهل البيت بل للمذاهب الآخرى ..
ان احيائنا لعاشوراء الحسين عليه السلام احياءٌ لكلمة لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله ..
قد يتصور البعض ان قضية الطف مجرد اجتماع وحضور بالمجالس وبكاء واخذ بركه وانتهى كل شيء لا .. قضية الطف ليست مجرد طقوس وعادات وتقاليد بل لو نظروا إلى عاشوراء نظرة إيجابية كما ننظر نحن لعرفوا أن عاشوراء هي التي تعلمنا على الصلاة على الصيام على الحج لذلك الرواية عن الامام الصادق ان الصفا والمروة والبيت والمقام والمشعر الحرام بكوا على الامام الحسين عليه السلام .
نحن نتعامل مع الحسين بهذه الروحية بالبكاء ولبس السواد واقامة المآتم واطعام الناس بينما الطرف الآخر يكون كل همه صيام عاشوراء وكيف يخدع نفسه بهذه الاباطيل ؟! ونحن كيف نبدء ؟! نبدء بإقامة المآتم وكل ما نقدمه من عطاء مادي ومعنوي سواء بالحضور والمشاركة أم بالدعم المادي نشعر بأننا مقصرون واننا ضعفاء أما الزهراء سلام الله عليها فهي التي نذرت نفسها وذريتها قرابين ولاء للدين والعقيدة .. فلا تشعر بالعظمة فقط لحضورك إلى
المأتم ..وخدمتك فيه ..
أيُّها الأحبة ..
انظرو إلى السماوات والأفلاك كيف تتعامل مع قضية الحسين ؟!
في الرواية عن الامام الصادق عليه السلام كما في بداية الزيارة الاولى للامام الحسين عليه السلام حيث يحدث اصحابه : أنَّ ابا عبدالله الحسين عليه السلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهن وما فيهنومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ومايرى وما لايرى بكاءا على ابي عبدالله ..
السماوات ماذا بها من كائنات ؟!
الآن هذه الكرة الأرضية ومايعلوها من ( المنظومة الشمسية و مائة الف مجرة و مائة الف كون ) ومن فوقها السماء الأولى بما تحوي من كائنات ومجرات الكائنات والسموات والأرضين وما فيهن وما بينهن يضجون على الحسين ونحن بحضورنا للمأتم نتصور أننا عملنا عمل عظيم !؟
وقد يأتي أحدهم ليسألنا من أين أتيتم بهذه المأتم ؟! وما هو تاريخها ..
جأنا بها من رسول الله صلى الله عليه فرسول الله عليه افضل الصلاة والسلام عند عودته من أحد لم يرى أحد يبكي عمه الحمزة فقال ( أما عمي الحمزة فلا بواكي له ) ويروى ان رسول الله صلى الله عليه وآله حكى للانصار فنقلوا ذلك لنسائهم فأخذوا يبكون عليه ..
بكاء الأئمة على الحسين عليه السلام
فلنرى إلى تعامل أهل البيت مع هذه القضية العظيمة ..
بكاء علي بن الحسين زين العابدين وسيد الساجدين مدة أربعين سنة عاشها بعد استشهاد والده المظلوم، وبكاء الإمام الصادق (عليه السلام) لمصيبة جده الشهيد واستنشاده الشعر في رثائه. وكذا الإمام الكاظم (عليه السلام) الذي كان لا يرى ضاحكاً إذا أقبل شهر محرم الحرام، وكان يرى كئيباً حزيناً في العشرة أيام الأولى من هذا الشهر. وهكذا الإمام الرضا (عليه السلام) وغيرهم من الأئمة.
وفي رواية عن ابن قولويه في كامله بسند معتبر عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) (إنه قال: ما اكتحلت هاشمية واختضبت ولارئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد الله بن زياد .. وما زلنا في عبرة بعده. وكان جدي علي بن الحسين (عليه السلام) إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة...) إلى أن قال (عليه السلام): (وما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدى حقنا. وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكية إلا الباكي على جدي، فإنه يحشر وعينيه قريرة، والبشارة تلقاه والسرور على وجهه).
وفي الرواية عن الامام الصادق عليه السلام لأبي بصير :ان فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لو ان الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة ان يخرج من عنق او يشرد دخانها فيحرق اهل الارض فيحفظونها ما دامت باكية ويزجرونها ويوثقون من ابوابها مخافة على اهل الارض ، فلا
تسكن حتى يسكن صوت فاطمة الزهراء ..
ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون .. من هم أولياء الله ؟!
بالدرجة الأولى هم أهل البيت ..
أهل البيت هم أولياء الله وأهل المعرفة فلنطلب من الله أن يسددنا ويوفقنا لأن نكون من السائرين على دربهم .. وأن نوفق لأن نكون من الباكين على سيد الشهداءروى في الكامل بسنده عن أبي جعفر الصادق (عليه السلام) قال (كان علي بن الحسين يقول من ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عز وجل ولم يرض له بدون الجنة..).
فلنكن من الذاكرين للحسين ينقل ابن سوير هذه الرواية عن الإمام جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام يقول كنا عند ابي عبدالله الصادق عليه السلام وكبيرنا يونس .. فقال له يا ابن رسول الله انا كثيرا ما اذكر الحسين ولكن لا اعرف كيف اعبر قال له قل ثلاثا صلى الله عليك يا ابا عبدالله صلى الله عليك يا ابا عبدالله صلى الله عليك يا ابا عبدالله لو كنت قريبا او بعيدا وصل ذلك الى الامام الحسين .
والسلام على الحسين يوم استشهد مظلوما عطشانا غريبا ويوم يبعث حيا وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين .