نفحات الإمام المهدي عليه السلام
قال رسول الله : «لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم؛ حتى يخرج رجلٌ من ذريتي أسمه أسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً"
يعتقد شيعة أهل البيت عليهم السلام بوجوب وجود إمامٍ معصوم في كل زمان كما قامت على ذلك الأدلة والبراهين، والتي مفادها ضرورة وجود حجةٍ إلهيةٍ بين البشر، وهذا مقتضى قاعدة اللطف كما يقول المتكلمون، يقول الشيخ الطوسي رحمه الله: وجوده لطفٌ وتصرفهُ لطفٌ آخر. ومعنى هذا أن غياب الحجة عنوانٌ ثانويٌ لا ينافيه وجوب وجوده ، يقول أمير المؤمنين : «اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحجةٍ إما ظاهراً مشهورا، وإما خائفاً مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته».
وأيضاً دلَّ حديث الثقلين: «إني مخلفٌ فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما، لن تظلوا بعدي أبدا» على ضرورة وجود إمامٍ معصومٍ في كل زمان وهذا معنى التلازم بين الثقلين كتاب الله والعترة الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين. هذا وقد ثبت تأريخياً ولادة الإمام الثاني عشر في ليلة النصف من شعبان عام «255هـ»، وعاش مع أبيه الإمام الحسن العسكري مدة خمس سنوات، وغاب عن الأنظار الغيبة الصغرى بعد استشهاد أبيه عام «260هـ» إلى عام «329هـ»، واختصاراً نقول إن ولادته أمرٌ ثبت عند الشيعة، وأقرَّ به عدد كبير من علماء المسلمين، كما ثبت ذلك في المصادر الموجودة بين أيدينا.
هذا وقد ثبت في الأخبار أن هناك من رأى الإمام في حياة أبيه في الدار التي كان يسكنها في سامراء، وهناك من رأى الإمام واجتمع به في غيبته الصغرى من العلماء الأعلام والصحب الكرام، وخاصةً جُلُهم وهم النوّاب الأربعة، الذين هم من الزعماء العظام عند الشيعة الإمامية. وفي زماننا الحاضر هناك من رأى الإمام في الغيبة الكبرى، وهو أمرٌ بلغ في كثرته حداً لا يمكن إلا التسليم به، فإن علمائنا الأعلام وعظمائنا الكرام الذين عُرِفوا بالزهد والورع والتقوى، أنسوا بأنواره ، وتشرفوا بنفحات وجوده وتسديده وفيوضاته وتوجيهاته في أوقاتٍ وأماكن مختلفة.
غيبة الإمام المهدي :
ليس بدعاً غيبة القائد العظيم، فهذا أمرٌ استدعته الظروف التي أحاطت به ، وهو أمرٌ حصل لبعض الرسل والأنبياء، فيونس غاب عن قومه مدةً من الزمن، وموسى غاب عن قومه أربعين ليلة، ونبينا محمد كان في بداية بعثته مختفياً عن عامة الناس لمدة ثلاث سنوات، ولم يعلم بنبوته إلا النفر القليل من خُلّص أصحابه، وفي هذه المدة كان نبياً يعيشُ بين ظهراني قومه، غير أنهم لا يعلمون بنبوته، كما لم تؤثر مدة هجرته من مكة إلى المدينة على نبوته .
وكذلك إمامنا المهدي كان يعيش بين قومه وما كان يعرفه سوى الخواص من شيعته، وبهذا يتضح أن الغيبةَ طالت أم قَصُرت لا تضر بالنبوة أو الإمامة. وخاصةً غيبة الإمام المهدي التي لها أسبابٌ جليلة وعظيمة نتحدث عنها في ضمن نقاط:
النقطة الأولى: الاحتراز عن القتل، يقول الإمام الباقر : «إن للقائم غيبةٌ قبل ظهوره، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف القتل». الغيبة للشيخ الطوسي ص 201.
ولا شك أن هذا الخوف لا يضر بوضع الإمامة، حيث أنَّ هناك دافعان: الدافع الأول من الخوف: حب الدنيا، وهو أمرٌ غير محبوب، والدافع الثاني: حُبُ الله، وذلك لأداء المسؤولية والقيام بالواجب المقدس تجاه الدعوة ونشر الدين، ولا شك في محبوبية ذلك، فقد لجأ الرسول إلى غار حراء من أجل الحفاظ على حياته، والقيام بمسؤولية الدعوة إلى الله. وكذلك الإمام المهدي فهو الإمام الذي يرفعُ لواء التوحيد وتحرير الإنسان ونشر الدعوةِ والعدل على وجه الأرض بعد ما مُلئت ظلماً وجورا.
النقطة الثانية: أن غيبة الإمام سرٌ إلهي من الأسرار التي خفيت علينا حكمتها. وعن الصادق :«إن لصاحب هذا الأمر غيبةٌ لا بد منها يرتاب فيها كلُ مبطل، فقلتُ له، ولِمَ جُعلتُ فداك؟ قال: لأمرٍ لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلتُ: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته، وجه الحكمة في غيبات من تًقَدَمَهُ من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لمّا أتاه الخضر في خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى إلا وقت اختراقها. يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمرٌ من الله، وسِرٌ من سُرِ الله، وغيبٌ من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدّقنا بأن أفعاله كلها حكيمة، وإن كان وجهها غير منكشفٍ لنا». علل الشرائع الباب 197.
النقطة الثالثة: أن غيبته امتحانٌ للمؤمنين، يقول تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ العنكبوت: 2ـ3.
وفي الروايةِ: كنا عند أبي عبد الله جماعةٌ فتحدثنا فالتفت إلينا، فقال: «في أي شيءٍ أنتم؟ أيهات أيهات، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُغربلوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تُميزوا، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد أياس، لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقى من شقي ويسعدُ من سعد».
هذا وربما يقول القائل ما الفائدةُ من وجود الإمام الغائب عن الأنظار، ونقول في جواب ذلك:
أولاً: أن اللقاء بالنبي أو الإمام والاستفادة منه ليس دائماً بالطريق المباشر، بل في كثيرٍ من الأحيان يتم عن طريق الرسل أو الوسطاء أو الوكلاء أو الممثلين. وقد كان للأئمة الأطهار عليهم السلام ممثلين في مختلف البلاد الإسلامية، وهذا أمرٌ متسالمٌ عليه عند بني البشر.
فليس الأمر رهن اتصال الرعيةِ براعيها مباشرةً، بل الإنتفاع يتحقق إذا اتصل به أشخاصٌ أكفاء لهم الأهلية في القيام بالمسؤولية وانتفاع الناس بهم، وحل مشاكلهم وتأديةِ ما فرض الله عليهم، وعلى هذا الأساس جعل إمام العصر عجل الله فرجه أربعةَ سفراء في زمن الغيبة الصغرى، وعِبرَ الفقهاء الذين يتصفون بالعلم والورع والتقوى في زمن الغيبة الكبرى؛ للقيام بأداء المسؤولية وحفظ الشريعة.
ثانياً: أن وجود الإمام لطفٌ إلهي، حيث أن الاعتقاد بوجوده حاضراً معهم وإن كانوا لا يعرفونه، له الدور الفعال في استقامة المؤمنين وتمسكهم بدينهم، وهو الأمر الذي يدفعُ نحو الطاعة ويُبعد عن المعصية وبذلك يتربى المؤمن ويلتزم بهدي قائده . فانجذابُ قلبِ المؤمنِ نحو إمامهِ يأخذُ بيدهِ نحو الرُقي والكمال، وهو أمرٌ لهُ الأثرُ الكبيرِ في تربيةِ الإنسان. وبهذا يتضح لنا معنى أن الإنتفاع بالإمام كالانتفاع بالشمس إذا غيّبها السحابُ. وكما أنَّ التعلق بالإمام لهُ الآثار التربوية البالغة، فإن هناك الآثار التكوينية المرتبطة بوجود حجةٍ إلهية، فإن الأرضَ لا تخلوا من حُجة وفي الدعاء: «بيُمنهِ رُزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء».
إننا نعتقد بوجود الإمام المهدي وأنّهُ يحضُرُ في كل أمرٍ يستدعي وجوده، وأنه يرى الناس ويعرفهم ويرونه الناس ولا يعرفونه، وإننا نستضيء بأنواره ونعيش بنفحات بركاته، وهذا أمرٌ نُدركهُ ويُدركهُ أعداء الإسلام من الجبابرة والطغاة، الذين يعون جيداً أنه يخرج في المشرق في ظِلِ دولةٍ إسلامية، ومنهم أصحاب الرايات السود الذين يجتمعون لنصرته. وبسبب إدراك هؤلاء الجبابرة لهذا الأمر ترى أساطيلهم العُظمى ملئت الخليج خوفاً من هذا القائد المُصلح الذي يُنتظر خروجه ويقضي على المجرمين والجبابرة والمستكبرين، وإنما يقوم به الرئيس الأمريكي بوش ليس أمراً ناتجاً عن عدم معرفة أو خلفية سابقة، بل هو يعرفُ جيداً أن في هذه الأرض التي يقوم بالكيد لها بمختلف أنواع الحصار هي أرض انطلاقِ النُّصرةِ الحقيقية، التي سوف تسير خلف لواء القائد المُصلح المهدي .
أيها الإخوة إنَّ هذا الماسوني بوش يعيش حياة الغباء؛ لأنه طاغيةٌ مُلحد، لا يحترم الإنسانية، ولا يرضى باستقلال الدول، بل إنه يثير الفتن والمشاكل لكل أُمةٍ تسعى لاستقلالها وتريد أن تحقق الهدوء والطمأنينة والسعادة للإنسان.
إن هذا الغباء يتمثلُ:
أولاً: في أن بوش هذا ليس في حساباته أن في عقيدتنا بأنَّ النصر من الله سبحانه وتعالى، وأنَّ القتال ليس بالكثرةِ ولا بقوةِ السلاح، فالمجاهدُ يُقاتِلُ ويعلمُ أنه سيحصل على إحدى الحُسنيين، النصر أو الشهادة، ولا يُخيفهُ الأساطيل الحربية، ولا الجيوش الضخمة المُجهزة بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، ولا يخيفه اجتماع قوى الظلم والجور على حربهِ، فإن قوة الله أعظم.
ثانياً: أن هذه الغطرسة والمخططات المدروسة بشكلٍ عسكريٍ دقيق، وإن هذا الكيد والتهديد والحصار، لن يفيدهُ شيئاً مهما كان مكرُهُ وذكائه، فإنَّ ما عند الله أقوى وأعظم وأدهى، يقول تعالى: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ الأنفال: 30.
نعم، سيسيرُ أنصار المهدي قُدماً بعد سُماعهم الصيحة بين الركن والمقام، حاملين الرايات السُود؛ لنُصرةِ الإمام ، وسوف تتهاوى قوى الظلم والغطرسة والظغيان كما تتساقط أوراق الشجر اليابسة من على الشجر، وسوف ترتفع رايةُ التوحيد خفاقةً على وجه الأرضِ، يسودها القسط والعدل بعد أن مُلئت ظُلماً وجورا.
على القائـم المهـدي مـن آلِ أحمـدٍ صـلاةٌ بهـا تُجلـى الكـروبُ وتُذهـبُ
هو القائد الهـادي إلـى الله بعـد مـا ينال الورى قسطٌ من الجورِ يُرعِبُ
فيظـهـر مــا بـيـن المـقـام ورُكنـهـا غيـوراً عـلـى الإســلامِ لله يغـضـبُ
الحمدُ لله رب العالمين، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله والإخلاص في طاعته، إذكروا الله يذكركم ويثبت قلوبكم، ويغفر لكم خطاياكم، إنه هو التواب الرحيم. وكل عام وأنتم بخير.
وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين
كتبه: فضيلة الشيخ مصطفى المرهون