السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من هو العباس عليه السلام؟
هو ابن أمير المؤمنين عليه السلام، وأخو سيد الشهداء عليه السلام وحامل لوائه يوم عاشوراء. والعباس في اللغة بمعنى أسد الغابة الذي تفر منه الأسود.
أمّه فاطمة الكلابية التي اشتهرت في ما بعد بكنية أُمّ البنين، وقد تزوّجها علي عليه السلام بعد استشهاد فاطمة الزهراء عليها السلام.
ذكر أنّه ولد في 4 شعبان عام 26 للهجرة بالمدينة، وهو أكبر أبناء أم البنين الأربعة الذين استشهدوا في كربلاء بين يدي الحسين عليه السلام. وعند استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام كان العباس في الرابعة عشرة من عمره، وفي كربلاء كان له من العمر 34 سنة. كنيته أبو الفضل وأبو فاضل ومن أشهر ألقابه: قمر بني هاشم، وساقي العطاشى، وحامل لواء الحسين، وحامل الراية، وأبو القربة، والعبد الصالح، وباب الحوائج و . . . إلخ.
تزوّج العبّاس من لبابة بنت عبيد الله بن العبّاس (ابن عمّ أبيه)، ولد منها ولدان اسمهما عبيدالله، والفضل. وذكر البعض أنه له ابنين آخرين اسماهما محمد والقاسم.
كان العباسي طويل القامة جميل الصورة، ولا نظير له في الشجاعة، وقد سمي بقمر بني هاشم لحسنه وجماله. وهو حامل لواء الحسين يوم العاشر، وساقي خيام الأطفال والعيال. وكان يتولّى في مخيم أخيه إضافة إلى جلب الماء، حراسة الخيم والاهتمام بأمن عيال الحسين عليه السلام.
وظل الاستقرار يسود الخيام ما دام هو على قيد الحياة، وهو كما قال الشاعر:
اليوم نامت أعين بك لم تنم
وتسهدّت أُخرى فعزّ منامها
في يوم عاشوراء استشهد أخوة العباس الثلاثة قبله، ولما جاء هو أخيه الحسين طالباً الأذن للبروز إلى الميدان، أمره أخوه بجلب الماء للأطفال العطاشى في الخيام. فسار أبو الفضل نحو الفرات وملأ القربة، وعند العودة للخيام اشتبك مع جيش العدو الذي يحاصر الماء، وقطعت يداه، واستشهد هناك. وقبل هذا كان قد برز للقتال عدّة مرات إلى جانب سيد الشهداء وقاتل جيش يزيد.
كان العباس عليه السلام مظهراً ورمزاً للإيثار والوفاء والتفاني. لما دخل الفرات كان في غاية العطش لكنه لم يشرب الماء بسبب عطش أخيه الحسين، بل وخاطب نفسه بالقول:
يا نفس من بعد الحسـين هوني
وبـعـده لا كنـت أن تكـونـي
هـذا الحسـين وارد المنــون
وتشـربيـن بـاردُ المـعـيـن
تـالله مـا هـذا فِـعَـالُ ديـني
وأقسم أن لا يذوق الماء(بحار الأنوار 41:45)، ولما قطعت يمينه أنشد يقول:
والله لـو قطعـتموا يمـينــي
إني أحـامـي أبـداً عن ديـني
وعـن إمـام صـادق اليقيــن
نجـل النـبي الطـاهر الأميـن
يا نفس لا تخـشي من الكـفـار
وابشـري برحـمـة الجـبّـار
مـع النبي السـيد المختــار
قـد قطـعوا ببغيهـم يسـاري
فاصـلهم يـا ربِّ حـرّ النـار
ترك استشهاد العباس مرارة وألماً في قلب الحسين، ولما سار مصرعه ووقف عند رأسه قال قولته الطافحة بالألم والأسى: "الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي"(معالي السبطين 446:1، مقتل الخوارزمي 30:2) وبقى جسده إلى جانب نهر العلقمي فيما رجع الحسين إلى الخيام وأخبر أهل البيت بمصرعه، ودُفنَ- حين دُفنت أجساد أهل البيت- في نفس ذلك الموضع. ولهذا السبب نلاحظ اليوم وجود هذه المسافة الفاصلة بين مرقد العباس ومرقد الحسين عليهما السلام.
إن للعباس عليه السلام مكانة جليلة، والتعابير الرفيعة الواردة في زيارته تعكس هذه الحقيقة. وتنصّ زيارته المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام على عبارات من قبيل: " السلام عليك أيّها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين. . . أشهد أنك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون في جهاد أعدائه،المبالغون في نصرة أوليائه، الذّابّون عن أحبّائه . . ."(مفاتيح الجنان:435)، وهي تؤكد على ما كان يتصف به من العبودية لله والصلاح والطاعة، وأنه استمرار لخط مجاهدي بدر، وأولياء الله والمدافعين عن أولياء الله .
و قد وصف الإمام السجاد عليه السلام المعالم البارزة لشخصية العباس بن علي بالشكل التالي: "رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدا أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عزّ وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل جعفر بن أبي طالب. وأنَّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة"(سفينة البحار155:2)
جاء اسمه في زيارة الناحية المقدسة على لسان الإمام المهدي عليه السلام، وسلّم عليه كالآتي: "السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه. . ."(بحار الأنوار 66:45)
أمور تتعلَّق بأبي الفضل العباس عليه السلام
1-إنَّه لم يشرب الماء
رغم أنَّ عدم شربه لم يكن واجباً فلو كان يشرب ما كان عمله هذا محرماً قطعاً بل كان له توجيه شرعي، وذلك أنَّه يشرب ليتقوّى فيواجه العدوّ ويدافع عن الإمام الحسين عليه السلام، ودليله أن ابن سعد قال بأي أسلوبٍ لا بدَّ من منع العباس من إيصال الماء إلى الخيام لأنَّه لو أوصل الماء إليها فالحسين سوف يتقوَّى فلا يبقي لكم أحداً. فقال: إن لم تتمكنوا منعه بالسيف فأرشقوا عليه بنبالكم لعلَّها تصيب القربة فيراق ماءها.
2-يقول الطبري:
قد حوصر أربعة من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، فأراد سلام الله عليه من أخيه العباس فك الحصار ونجاتهم وكانوا ثلاثين ألفاً، وبالفعل تمكَّن العباس من ذلك، وهذا يدل على المستوى الرفيع الذي وصل إليه أبو الفضل في الشجاعة، مضافاً إلى أنَّه في المرة الأولى دمَّر عشرة آلاف من الأعداء وهو عدد كبير، ومن ثمَّ استطاع أن يدخل في الشريعة فأراد أن يملأ القربة ولكنَّهم هجموا عليه فلم يتمكَّن من ملئها، فرجع ولم يملأ الماء، فحمل مرة أخرى وملأ القربة. فلا يمكن لأحد أن يتقرب إليه أصلاً فرشقوه بالنبال .
3-يقول البيرجندي في كتابه الكبريت الأحمر الذي كتبه للخطباء:
إنَّ العبّاس قد اشترك في حروبٍ أخرى كاشتراكه في صفين مع عليٍّ عليه السلام، كان ملثَّماً عندما طلب البراز، فقال معاوية: من الذي يجيبه؟ ثمَّ قال لأحد الشجعان: أجبه؟ قال: ليس من شأني أن أقاتل هذا الشاب، وكان لديه سبعة أولاد فأرسلهم جميعاً وقتلوا جميعاً، فغضب الأب وذهب ليقاتل العباس فقتله العباس. فكان الموقف عظيماً بحيث قال له علي عليه السلام: يا بنيَّ إرجع أخاف عليك عيون الأعداء، فرجع ورفع اللثّام فإذا هو العبّاس .
4-يقول الشاعر الفارسي في شأن أبي الفضل العباس عليه السلام:
ماهي كه أز سه خورشيد نور وضياء كرفته ...
آداب جنـكـجـوئي أز مـرتضـى كـرفتـه
ترجمته:
العباس هو: القمرُ الذي اكتسب الضياء من ثلاثة شموس قد تعلَّم آداب المقاتلة من أبيه الإمام المرتضى عليه السلام. والشموس الثلاثة هم الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام.
5-قد قبَّل يدَه أئِّمة ثلاثة وهم:
1-الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين ولادته وبكى.
2- الإمام الحسين عليه السلام وهو مقطَّع من جسده إلى جنب الشريعة.
3- الإمام زين العابدين عليه السلام حينما أراد أن يدفنه في اليوم الثالث عشر من محرَّم.
6-يقال أنَّ الشيخ كاظم الأزدي وهو شاعر أهل البيت أنشد قصيدة في شأن أبي الفضل العباس قال فيها:
...يوم أبو الفضل استجار به الهدى ...
ولم يكمل هذا المصرع حيث رآه لا يتناسب مع شأن الإمام الحسين عليه السلام فكيف يستجير الإمام به؟ رأى في المنام الإمام الحسين عليه السلام قال له: يا شيخ أكمل البيت :
والشمس في كِدَر العجاف لثامها .
7-من الواضح أنَّه قد استشهد الذين كانوا تحت قيادة أبي الفضل العباس وبقي القائد من غير جيش ،
وأيضاً الإمام الحسين عليه السلام ...وكان المقرر أن يذهبا معاً إلى الميدان ، أما كيف يذهبان هل يكونان معاً دائماً؟ لا يمكن ذلك لأنَّه بالأخير سوف يفرَّق بينهما وهذا طبيعة الحرب ...فكيف يعلم كلٌّ منها حال الآخر؟
هكذا قرّر الأخوَان الإمام الحسين عليه السلام وأبي الفضل العباس عليه السلام بأن يرفع الحسين صوته ويقول
"أنا ابن محمَّد المصطفى"
وأمّا قمر بني هاشم فينادي
"أنا ابن عليٍّ المرتضى"
فدخلا في الميدان وقاتلا وقتلا الأعداء، وزينب وعيالات الحسين كانوا يسمعون تلك الأصوات؟ وبذلك يعلمون أنَّهما مازالا يعيشان وأنَّهما على قيد الحياة؟ فكانا يتجاوبان إلى أن نادي الحسين:
أنا ابن محمَّد المصطفى
لعلَّه يسمع الجواب ولكن فوجىء بجواب آخر وهو:
يا أخا أدرك أخاك.
فلو كان أبو الفضل يمتلك اليدين لما كان ينادي أخاه أدرك أخاك.
8-نقل في مقتل المقرَّم:
سمعت العالم الفاضل الشيخ كاظم السبتي رحمه الله يقول:
أتاني بعض العلماء الثقات وقال: أنا رسول العبّاس عليه السلام إليك، رأيته في المنام يعتب عليك ويقول:
لم يذكر مصيبتي شيخ كاظم سبتي
فقلت له : يا سيِّدي مازلت اسمعه يذكر مصائبك، فقال عليه السلام: قل له يذكر هذه المصيبة وهي :
"إنَّ الفارس إذا سقط من فرسه يتلقَّى الأرض بيديه فإذا كانت السهام في صدره ويداه مقطوعتان بماذا يتلقَّى الأرض؟"
9-إنَّ من خصوصيات العباس أنَّ مائدته عامة يأكل منها الكل من دون استثناء
فهو حلال المشاكل حتى لغير الموالين وحتى أصحاب الديانات الأخرى.
منقول من بعض المواقع..