((العين الباكية منبع فيض الله )).
للبكاء على مصيبة أبي عبدالله ثواب كبير وقد بكى الملائكة والأنبياء، والأرض، والسماء، والحيوانات، والصحراء، والبحر على تلك المصيبة(بحار الأنوار220:45و ما بعدها ، سفينة البحار 97:1).
إن البكاء يعكس الارتباط القلبي بأهل البيت وسيد الشهداء. والدموع تروي القلب وتزيل الظمأ وهي حصيلة محبة أهل البيت، ومن الطبيعي التعاطف الروحي مع الأئمة يستوجب مشاركتهم في حزنهم وفي فرحهم. ومن علامة الشيعة أنهم: ((يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا))(ميزان الحكمة233:5).
لا شك أن القلب الطافح بمحبّة الحسين يبكي عند ذكر مظلوميته واستشهاده. فالدموع لسان القلب ودليل المحبة.
إن البكاء على مصيبة سيّد الشهداء تجديد للبيعة مع عاشوراء وثقافة الشهادة، واستمداد الطاقة الفكرية والروحية من هذه المدرسة. وسكب الدموع هو نوع من إقرار العهد وتصديق على ميثاق المودة مع سيّد الشهداء. وقد أكد أئمة الشيعة كثيرا على البكاء على مظلومية أهل البيت. واعتبروا شهادة الدموع كدليل على صدق المحبّة. قال الإمام الصادق عليه السلام: ((من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر))(وسائل الشيعة 391:10).
و أكّد الأئمة كثيراً على البكاء على الحسين عليه السلام، قال الإمام الرضا عليه السلام لريّان بن شبيب في حديث طويل: ((يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب فإنه ذبح كما ذبح الكبش ..))(بحار الأنوار313:44).
وقال في حديث آخر : ((إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتُهب ما فيه من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء. فعلى مثل الحسين عليه السلام فليبك الباكون. فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام))
(بحار الأنوار283:44).
وقال الإمام الحسين عليه السلام (( أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى))(بحار الأنوار:279)، وبكى الإمام السجاد عليه السلام على الإمام الحسين عليه السلام عشرين سنة، ولم يوضع بين يديه طعام إلاّ وبكى(بحار الأنوار108:46).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: ((كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين))
(بحار الأنوار 313:45).
إن البكاء والإبكاء والتباكي كله حسن وله أجر وثواب. وذكرت للبكاء على الحسين فضائل كثيرة منها: إن الدموع تطفئ لظى جهنم، والجزع على مصيبة سيد الشهداء أمان من العذاب فيها إذا لم تكن ذنوب الإنسان بالقدر الذي لا يمنع بلوغه الفيض الإلهي، والدموع التي تظهر الارتباط الروحي والعقائدي والعاطفي مع خط الأئمة وسيد الشهداء لابد وأنها تخلق لدى الإنسان الأرضية لتصبح لديه حصانة من الذنوب.
قال الشهيد المطهري في هذا المجال: ((البكاء على الشهيد مشاركة له في ملحمته وتجاوباً مع روحه، وانسياقاً وراء نشاطه وحركته.. والإمام الحسين عليه السلام بشخصيته الجليلة وشهادته البطولية ملك قلوب ومشاعر مئات الملايين من الناس، ولو انتدب جماعة على هذا المخزن الهائل والنفيس من المشاعر والمعنويات، أي أن الخطباء لو استثمروا هذا المخزون العظيم بشكل صحيح لأجل إيجاد حالة من الانسجام والتناسق والتناغم بين الأرواح الحسينية الكبيرة لأصلحوا قطاعاً مهماً من العالم))(كتاب ((الشهيد))للشهيد المطهري:124-125).
إذن فالمهم هو معرفة فلسفة البكاء على طريق إحياء عاشوراء، والشعائر الحسينية، وثقافة كربلاء وليس ارتكاب الذنوب على أمل محوها بعدّة قطرات من الدموع! وليس من المؤكد أن القلب الغارق بالذنوب يبكي على الإمام الحسين عند استذكار مصائبه.
البكاء في ثقافة عاشوراء سلاح جاهز على الدوام يمكن رفعه عند الحاجة بوجه الظالمين. الدموع هي لغة القلب، والبكاء هو صرخة عصر المظلومية. ورسالة الدموع تنطوي أيضا على حراسة دم الشهيد. قال أحد العلماء: ((إن البكاء على الشهيد إحياء للثورة، وإحياء لمفهوم أن فئة قليلة تقف بوجه إمبراطور كبير... إنهم يخشون هذا البكاء، لأن البكاء على المظلوم صرخة بوجه الظالم))(صحيفة النور31:10).
الدموع، مطلع فصل المحبة والمودّة ونابعة من العشق الذي أودعه الله في قلوب الناس وجعلها تنجذب للحسين بن علي عليه السلام. وطبقاً للحديث الوارد عن رسول الله صلّى الله عليه و آله أنّه قال: ((أنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا..))(جامع أحاديث الشيعة 556:12).
واليوم فإن الدموع و البكاء هي الصلة مع الحسين، ونحن نجلس على مائدة الحسين ونترّبى في مدرسته بفضل ما نسكبه من دموع. وهذا يعني أننا قد أطعمنا هذه المحبة مع حليب أمهاتنا، وهي لا تخرج منا إلاّ مع خروج أرواحنا.
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة *** لكنما عيني لأجلك باكية
تبتل منكم كربلا بدم و لا *** تبتل مني بالدموع الجارية