ورغم الظروف السياسية القاسية التي جرت على المسلمين في الصدر الأول من الإسلام في عصر بني أميّة، واهتمام الحكام يومئذٍ بالتعتيم والتكتم على فضائل الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، فقد شاء اللّه تعالى أن ينشر حديث الغدير، ويتولّى الصحابة والتابعون لهم بإحسان وطبقات المحدّثين والعلماء بعدهم رواية هذا الحديث حتى استفاض نقله وشاع مما لا يدع مجالاً لإشكال أو تشكيك.
وقد جمع بعض العلماء طرق حديث الغدير. منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، يقول ابن كثير في البداية والنهاية(
1): وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه.
ومن المتأخرين أفرد السيد حامد حسين اللكهنوي مجلّدين كبيرين لهذا الحديث، بحث في المجلد الأول منهما حديث الغدير من حيث السند، وفي الثاني منهما هذا الحديث من حيث الدلالة والمتن.
وأفرد شيخنا الأميني رحمه اللّه الجزء الأوّل من موسوعته القيّمة الجليلة بأسانيد وطرق هذا الحديث الشريف ومناقشة المؤاخذات التي أوردها بعضهم على سند الحديث ودلالته. وهو من أجلّ ما كتب في نصوص الولاية رحمه اللّه، وتغمده برحمته.
ولست أعرف في الإسلام حدثاً تواترات فيه الروايات وأخذ من اهتمام علماء المسلمين في كل العصور مثل هذا الحدث العظيم.
ولسنا نحتاج بعد هذا النقل المتواتر لحديث الغدير من عصر الصحابة إلى اليوم إلى دراسة سندية لهذا الحديث، ولكنّنا مع ذلك سوف نذكر بعض طرق هذا الحديث الشريف مع دراسة موجزة لرجال إسناده.
روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (3 / 118 ح 4576)، قال: حدّثني أبو بكر محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار، قالا: حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل حدّثني أبي، حدثّنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش، قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقُممن فقال: (كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ثم قال: إن اللّه عزّ وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن. ثم أخذ بيد عليّ رضي اللّه عنه فقال: (من كنت مولاه فهذا وليه اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه).
قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.