بسم الله الرحمن الرحيم الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم ،،،
نحاولُ من خلال هذا الموضوع تسليط الضوء على السيده الزهراء كصرخة "لا" في وجه مغتصبي الخلافه ومن شايع فكرهم، مقتبسين من خطبها وسيرتها العطره ما يخدم المبحث المتواضع، نسأل الله القبول.
جميعنا يذكرُ قصة المرأتين التين تنازعتا في نسبة طفلٍ لهما، كلٌّ تدعيه لها، فاحتكمتا لأمير المؤمنين عليه السلام، الذي نادى على قنبر بأن ياتيه بمنشارٍ ليشطرَ الطفل نصفين كي يعطي كلٌّ منهما شطراً منه فنادت الام الحقيقية على الامام بان لا يشطر الطفل حتى وان ال مصيرُ الطفل الى المرأةُ الاخرى "المدعية لبنوة الطفل"، فعرف الامام عليه السلام صدق ما ادعته الام الحقيقية.
لعل هذه القصة تجيبُ على الكثير من تساؤلاتنا عن موقف الامام علي عليه السلام تجاه مغتصبي الخلافه، فعليٌ يكترثُ لأمر الدين ومسيرته بخلاف من اغتصبوا الخلافه. الاسلامُ الذي قام بسيف عليٍ ومال خديجه هو اسلام "اللا"، الاسلام المتجرد من اللذائذ والسابح في ملكوت الله، ولذا فان من ابرز ما عمدت العصبةُ المغتصبة لفعله هو تجريدُ علي من قواه، فكان اغتصاب فدك. لم تكن السلطة الحاكمة انذاك في حاجة لخراج فدك المادي، بل كان هدفهم اضعاف علي من ناحية مادية بعد ان امنوا خروجه العسكري عليهم. ولذا فان مطالبة الزهراء عليها السلام بفدكا كان يحمل ابعادا اكبر من مجرد المطالبة بقطة أرض. عموما سنعرج الى ابعاد وملامح ثورة الزهراء عليها السلام في النواحي التالية :
1- الثورة السياسية:
كانت السيدة الزهراء عليها السلام أول جندي يجاهد في خط علي وفكره، وكان جهادها سياسيا، تجلى في اطلاقها صرخة "اللا" في وجه الظلمة ممن اغتصبوا الخلافة وتجلى ذلك في :
ألف: بيان مكانة ال محمد: وقد تجلى ذلك في سرد تاريخٍ موجزٍ عن حال القوم قبل مجيء نبي الرحمة صلى الله عليه واله وسلم وبيان حالهم بعده ، حيث قالت في خطبتها الفدكيه :
"... فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله محمدٍ صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم..." وتقولُ سلام الله عليها في جانبٍ اخر "... وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذله خاسئين، (تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم)، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي...".
ثم عرجت للحديث عن مقام امير المؤمنين عليه السلام وما هو مركزه في قطب الاسلام اقداماً ونصحاً وتثبيتاً، وبيان مركزهم هم الاخرين هزيمةً، تحبيطاً، تهديماً حيث ذكرت :
"... فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببُهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله)، أو نجم قرن للشيطان، وفغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فــــلا ينكفئ حتى يطأ صــــماخها بأخمصه، ويُخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله سيد أولياء الله، مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون عند القتال...."
ومن شأن هذا الاسلوب ان يكشف تقلدهم لمنصبٍ لا يستحقوه، واغتصابهم للخلافة والتي يفترض ان يتقلدها امير المؤمنين عليه السلام.
باء: فضح النظام المغتصب وانقلابه على الخلفاء الشرعيين:
كان تبيان الطرحِ هنا على بيان حزبين حزب الله (المتمثل في امير المؤمنين عليه السلام) وحزب الشيطان (المتمثل في مغتصبي الخلافه)، حيث انصرف حزبُ الشيطان الى تلبية نداء الشيطان - والرسول على مغتسله يغسلهُ حزب الله، بل ان فيها تصريحا بنفاق القوم وعدم ايمانهم والمتمثل في عبارة "حسيكةِ النفاق" والتي تعني "ظهور الضغينة والعداوة التي سعيتم أبطتنموها" بحيث صار ثوبُ الدين - دينكم- خلقاً بحيث ابدى عورات القوم:
"...فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلين، وهدر فنيق المبطلين.فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه، هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين. ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمكم غير إبلكم، وأوردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، (ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين)...."
وتقول في معرض ردها لنساء الانصار والمهاجرين لما جئنا يعدنها :
"...فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطئه، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عز وجل...".
هنا أجد لفته جميلة من مولاتي الزهراء عليها السلام، صرح بها مولانا الامير عليه السلام مرارا قائلاً : "والله ما ابقى لي الحق من صديق" وهذا ما أشارت له السيده الزهراء عليها السلام " .. وما نقموا من ابا الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه وشدة وطئه، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عزوجل ..."فعليٌ المتمسك بالحق وبالطريق المستقيم لا يراعي في الله لومة لائم، ولكن نفوس القوم تأبى الا ان تحكم ملذاتها وشهواتها!
كما أشارت في هذا المعرض الى تقاعس القوم عن نصرة امير المؤمنين عليه السلام وتوجها لخط الظلمة حيث قالت :
"...معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها، كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اعتضتم..." وتبدي ادانتها لفعلهم في موضوعٍ اخر حيث ذكرت في معرض حديثها لنساء الانصار والمهاجرين "...أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم، وشنئتهم بعــــد أن سبرتهم، فقبـــحاً لفــــلول الحد، وخور الــقـنــاة وخطل الرأي، و(بئس ما قدمت لهم أنفــــسهم أن سخط الله عليهم وفـــي العـــذاب هـــم خالــــدون) لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم غارها...". وتقول ايضا في حديثها للاوس والخزرج : "...أيهاً بني قيلة! أأُهضم تراث أبِيَه وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومبتدأٍ ومجمع؟! تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ..." وتنتقلُ بعدها قائلةً: "...فأنّى جرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان، ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان؟ (ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشوهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين)...".
جيم: نظرية الوحدة:
ورد في احدى خطب الزهراء عليه السلام قولها سلام الله عليها " طاعتنا نظام للملة , و إمامتنا أمان من الفرقة " وهي بذلك تشيرُ الى أهمية خط الولاية وانه "حبلُ الله" الذي يجب ان "يعتصم" الناس به، والا فهم الى الهلاك صائرون.
وبهذه توجهنا سيدة النساء عليه السلام الى ان نكون جنودا في خط الثورة قولا وفعلا، فقد كانت لمطالبها السياسية الأثر الجلي في خط صرخة اللا على مر العصور، لا القوة لا لا الانكسار!
2- الثورة العبادية:
في صبيحة عرسها البهيج، يتوجه النبي صلى الله عليه واله وسلم الى بالسؤالِ الى امير المؤمنين عليه السلام عن زوجته فيقول: "نعم العون على طاعة الله "!
ولذا فالمتتبع لحياتها سلام الله عليها يجد كم كانت رمزا للعباده وثورة فيها ، تلك التي يروي الامام المجتبى سلام الله عليها قائلاً : "الامام الحسن عليه السلام: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار". هنا تجد ان العباده كانت نوعاً قبل ان تكون كماً ، كما تجلى في دعائها وايثارها لجيرانها حتى في الدعاء. فالثورة العباديةُ عند الزهراء هي ذوبانٌ في الخالق العظيم وايثارٌ للغير، هي سيماء ينطبع لا كحال عبداة الكثيريين التي لا تتجاوز كونها ممارسة روتينية اعتادوا عليها. صلاة الزهراء هي تجلٍ واضعٌ للقيم والمبادئ التي جاء بها الدين الاسلامي. واقعا اقفُ مذهولاً وخجلاً من نفسي عندما أمر على عبادة الزهراء عليها السلام وهي ذات العمر الصغير.
تراها تهدي ثوب زفافها لأنها تؤمن يقينا بقول الله عزوجل " قل لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" وتراها تطعم الطعام على حبة مسكينا ويتيما واسيرا، هكذا ترا الذوبان في الله ، الذوبان الواقعي، عبادة الكيف قبل عبادة الكم.
3- الثورة العلمية :
يروي لنا التاريخ ان امرةً جاءت للزهراء تسألها نيابة عن امها، فسألت السؤال الاول فاجابتها، فسألتها المراة ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا حتى وصلت عشرة أسئلة فاستحت المرأة من الاكثار، فاجابتها الزهراء عليها السلام -في ما معناه، واعتذرُ هنا لاني انقلُ من ذاكرتي مما سمعته في احدى المجالس الحسينية وحبذا لو وجد من يمتلك المصدر- "لو ان هناك حملا لو رفعتيه الى اعلى السطح تحصلين على 1000 دينار اتراكِ تحملينه؟ فاجابتها المرأة نعم!، ففقالت مولاتنا الزهراء (عليها السلام) - فيما معناه- ان الله قد ادخر لها فضلا لما تقوم به من تبليغ اكثر من ملئ السماوات والارضين دنانير ولالي!
كان للزهراء مجلسٌ تعقده للنساء تدرسهن امور دينهن. ولعلَّ المتتبع لبياناتها وخطبها خصوصا الخطبة الفدكيه يقف على بعض من قبساتِ علومها، وبيان نهجها الثقافي ومخزونها العلمي، قد تجاوز الى اخبارٍ غيبي بحال الامة عقب ارتدادها على اعقابها من ذلة وفتن وكسادٍ اقتصادي بل وسلبٍ للخيرات حيث تقول في معرض ردها على نساء الانصار والمهاجرين:
"...أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطاً، وذعافاً ممقراً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما سن الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم نفساً،وطأمنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم،وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً، وزرعكم حصيداً فيا حسرتي لكم، وأنى بكم، وقد عميت (قلوبكم) عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون....".
وغيرها من الجوانب التي ليس بمقدور تقصيرنا ان يحويها، ولكن علينا ان نجعل من صرخات الزهراء الثورية واقعا نطبقا لا سيرة نذكره، ان نجعل من الزهراء مثالاً نعيه عقل دراية لا رواية، فنترجم فدائها ونبقي صرخة "اللا" للظالمين المنبثقةِ من حنجرتها على مر العصور، هذا ونسأل الله القبول.
منقول