ورود المديرة
عدد الرسائل : 4039 السٌّمعَة : 4 نقاط : 4532 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: وصايا المرجع السيد الشيرازي في شهر شوال الثلاثاء أكتوبر 13, 2009 1:52 am | |
|
وصايا المرجع السيد الشيرازي في شهر شوال | | هذا التقرير يمثل مجموعة مقتطفات من توجيهات وارشادات المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف لمجموعات العلماء والمثقفين والاكاديميين والزوار والمقلدين اقتبسناها من موقع مؤسسة الرسول الاكرم(ص).
محاسبة النفس هي الوسيلة لبناء الذات
عن الإمام الصادق صلوات الله عليه: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل خيراً [حسناً] استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شراً استغفر الله منه وتاب إليه».
هذا الحديث الشريف له ارتباط وثيق مع كل واحد منّا دائماً، مهما كان وفي أي مكان. فالإنسان يتكلّم خلال اليوم والليلة كثيراً ويعمل كثيراً، فما أحوجه لأن يجلس وحده ويحاسب نفسه على ما قاله وعمله، وكيف تعامل مع الزبائن وزملاء العمل، ويتأمل في صحيفة أعماله، فإن كان ما قدّمه جيداً يشكر الله سبحانه عليه ويصمّم على المواصلة في هكذا أعمال، وإن كانت سيئة كبخس في الميزان والمكيال، أو غشّ وغير ذلك من الأمور غير الصحيحة يبادر إلى الاستغفار والتوبة ويعزم على عدم تكرارها
يجدر بالزوج أن يراجع تصرفاته مع زوجته ويدين نفسه إن كان قد تصرّف بسوء معها ويصمم على تجنبّ ذلك. وهكذا يجدر أن تقوم الزوجة تجاه زوجها، والوالدان مع أولادهما، والأولاد مع آبائهم، والكاسب مع المشتري، والمشتري مع الكاسب، والأصدقاء وزملاء العمل والشركاء بعضهم مع بعض
إن الله تعالى لا يمتحن الإنسان بالصلاة والصيام والزكاة والخمس وبباقي العبادات فحسب، بل يمتحنه في هكذا أمور أيضاً، في كل لحظة وفي كل يوم، ومحاسبة الإنسان نفسه كل يوم على كل صغيرة وكبيرة تصدر منه تصونه من اقتراف المحرّمات ومن الزلل ومن الوقوع في الهاوية. فربّ ذنب صغير يصدر من الإنسان ويستصغره ولا يتوب منه فيكون سبباً لدخوله النار ـ والعياذ بالله ـ ، وربّ حسنة واحدة تكون سبباً لدخوله الجنة كما صرّحت الروايات الشريفة عن المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم بذلك
كما أن محاسبة النفس تكون عوناً للإنسان في مجاهدة النفس والتغلّب عليها والتي يقول عنها مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله: «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك». فمحاسبة النفس هي السبيل لنيل عفو الله تعالى ومغفرته، وهي الوسيلة للتغلّب على شهوات النفس. فيجدر بالمؤمنين أن يواظبوا على محاسبة أنفسهم كل يوم ولو لدقائق حتى ينالوا مرضاة الله تعالى ولا يكونوا مشمولين بالحديث الشريف الذي ذكرته آنفاً عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه
علوم أهل البيت أعلى وأرقى العلوم
قال الله تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ».
إن الآية الشريفة لا تقصد من (الذين يعلمون) علماء العلوم الحديثة كعلم الطب والرياضيات والهندسة والإعمار وغيرها. فهذه علوم حسنة لكنها ليست هي المنجاة للبشرية، بل انها تساهم في تسهيل أمور حياة الناس ليس إلا. فكم من عالم في الطب أو الهندسة أو الفيزياء انتهى به الحال إلى مستشفى المجانين، أو انتحر أو ارتكب الكثير من الموبقات والمظالم، وذلك لأنه استخدم هذه العلوم في السيئات. فهذه العلوم إن أساء العالم التصرف بها فستتبدل نفسه من الإنسانية إلى الحيوانية. إن المقصود من (الذين يعلمون) في الآية الكريمة هم الذين أشار إليهم مولانا الإمام الرضا سلام الله عليه في الحديث الشريف التالي: «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس».
إن علوم أهل البيت سلام الله عليهم هي أعلى وأرقى من كل العلوم، وهي منشأ الخير كلّه في الدنيا والآخرة، وهي التي تصنع من إنسان قاطع طرق إنساناً صالحاً كأبي ذر الغفاري، ومن شاب نصراني إنساناً مخلصاً لآل البيت سلام الله عليهم كعلي بن مهزيار، ومن امرأة ولدت في بيت نصراني وكان أبوها من رهبان النصارى امرأة صالحة تصبح من أصحاب الإمامين الباقر والصادق صلوات الله عليهما وهي أمّ الأُسود التي اهتدى بسببها إلى نور أهل البيت إخوتها العشرة وصاروا من ثقات رواة أحاديث آل الرسول الأطهار صلوات الله عليهم.
لو أردنا المقارنة بين امرأتين قضت الأولى خمسين سنة من عمرها في أداء الواجبات والفرائض وانتهت عن المحرمات وعملت بالمستحبات كلها بحيث كانت تصوم النهار وتحيي الليل بالعبادة، وبين من قضت ثلاثين سنة من عمرها في تعلّم وتعليم علوم أهل البيت وكانت تكتفي بأداء الفرائض والواجبات فقط، فستكون الثانية بلا أدنى شك هي الأفضل والأحسن عند الله سبحانه، كما أكدت ذلك الروايات الشريفة عن المعصومين الأربعة عشر سلام الله عليهم
لقد رزق الله تعالى الشيخ علي بن الحسين بن بابويه ـ والد الشيخ الصدوق قدس سرهما ـ ولدين ذكرين خيّرين بفضل دعاء مولانا الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهما أبو جعفر (الصدوق صاحب المصنّفات المعروفة) وأبو عبد الله، فقضى الأخير حياته كلها بالعبادة. أما أبوجعفر فقضاها في تعلّم علوم أهل البيت وتعليمها ونشرها بين الناس، فخلد ذكره واسمه إلى يومنا هذا وسيبقى خالداً إلى يوم القيامة إن تعلّم علوم أهل البيت سلام الله عليهم أمر ضروري ومهم جداً وهذا ما يؤكّده قول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقّهوا في الحلال والحرام». كما إن تشجيع الآخر ين على تعلّم هذه العلوم المباركة وإعانتهم وتقديم الخدمات لهم في هذا المجال هو أفضل وأحسن من المستحبّات كلّها كالإنفاق على شخص ما للذهاب إلى الحج وغير ذلك. واعلمن أن كل من يتعلّم علوم أهل البيت ويعلّمها الناس ينال من الله عزّ وجلّ أفضل الشكر والإحسان والثواب، بل ينال أرفع الدرجات وأرقاها
التقوى معناها أن يعمل كل إنسان بواجبه ويؤدّي ما عليه من حقوق ومسؤوليات
كل من يتّقي الله تعالى فسيجعل الله له مخرجاً من كثير من مشاكل الدنيا والآخرة. فلا يوجد في هذا العالم من لا يعاني من أية مشكلة على الإطلاق. فالمعصومون الأربعة عشر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم أفضل خلق الله وأكرمهم عنده كانوا أتقى الناس ومع ذلك كانوا يتعرّضون للمشاكل والأزمات. وعندما نقول إنّ الله تعالى يجعل مخرجاً لمن يتقيه ليس معناه أنّ الفرد المتقي لا يقع في مشاكل أو لا تصيبه مصيبة ما. فالدنيا دار بلاء، وهي مليئة بالمشاكل والأزمات والصعوبات، وكل امرئ فيها ـ ومهما كان ـ يواجه العديد من المشاكل، لكن المقصود من ذلك أن الله تعالى يعين الفرد المتقي في الخلاص من المشاكل ويهديه إلى النجاة من الصعوبات والأزمات والابتلاءات.
التقوى معناها أن يعمل كل إنسان بواجبه ويؤدّي ما عليه من حقوق ومسؤوليات. فالأب عليه أن يعرف واجباته ووظائفه تجاه أبنائه وأن يعمل بها بلا إفراط أو تفريط. وكذا الحال بالنسبة للأمّ، وللولد والبنت، والزوج والزوجة، والبائع والمشتري، والفقير والغني. وإن لم يكن يعلم بواجبه ووظيفته فعليه أن يتعلّمها ومن ثم يعمل بها، وهذه من الأمور التي يُسأل المرء عنها يوم القيامة ويحاسَب عليها إن كان مقصّراً. فقد ذكرت الروايات الشريفة: : عن ابن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد [الصادق] سلام الله عليه وقد سُئل عن قوله تعالى: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: أَكنت عالماً؟ فإن قال نعم قال له: أَفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهلاً، قال له: أَفلا تعلّمت حتى تعمل، فيخصمه، وذلك الحجّة البالغة
فالذي يريد الزواج تراه يبحث عن امرأة صالحة وذات عفّة ونسب معروف مثلاً، كما يسأل عن سيرة أبيها وأمّها وإخوتها وأخواتها وأقاربها، وكذا من يريد السفر تراه يبحث عن أفضل الوسائل والطرق للوصول إلى مقصده، فكيف بالواجبات والمسؤوليات؟ أليس من الحرّي بالإنسان أن يعرفها ويسعى إلى العمل بها؟
يجدر بالمؤمنين والمؤمنات ـ وهذا أقلّ ما يمكنهم ـ أن يقرأوا كتب الروايات والأحاديث الشريفة بتأمّل وعن وعي ويعرفوا التقوى ومصاديقها ويلتزموا بها حتى يكون الله تعالى بعونهم في الدارين. ومن مصاديق التقوى معرفة الواجبات والمسؤوليات والعمل بها
اعرفوا قدر كربلاء المقدسة فإنّها قلب الدنيا والآخرة
إن مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين، أعني مولانا الإمام أمير المؤمنين وسيدتنا فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم الوسيلة إلى الله تعالى للناس وللأنبياء والمرسلين ولأولي العزم آدم ونوح وأبيهم إبراهيم وموسى وعيسى وللملائكة جميعاً، فعلى الجميع أن يستفيدوا من هذه الوسيلة لدنياهم وآخرتهم. فقد قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ».
إن الملايين من الناس من أطراف العالم يأتون إلى كربلاء المقدسة للزيارة ويأخذون من هذه الوسيلة كل شيء لدنياهم وآخرتهم، فحريّ بمن ولد في كربلاء ومن يعيش فيها ومن هو بجوار المرقدين الطاهرين أن يكون له نصيب عظيم لدنياه وآخرته. فالذين عاصروا الإمام الحسين سلام الله عليه وعاشوا معه وصحبوه استفادوا منه ولكن كانت درجات استفادتهم مختلفة. قال تعالى: «هم درجات عند الله». وأنتم حيث حظيتم بنعمة الجوار العظيم ستكون درجات استفادتكم مختلفة أيضاً، فليسعَ كل واحد منكم وليجدّ ويجتهد في أن يستفيد أكثر من هذا الجوار في نيل المقام الرفيع عند الله، بل ليكن سباقاً في ذلك فالآية الكريمة تقول: «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».
بسبب زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه قتل الظالمون الكثير من الناس وسجنوا الكثير وعذّبوا الكثير وشرّدوا الكثير وأبعدوهم عن ديارهم وأهليهم ولم يرجع الكثير منهم ألى أهلهم.
ذكّروا أنفسكم دائماً بأنكم في قلب الدنيا والآخرة وهي أرض كربلاء المقدسة، فاعرفوا قدرها وقدر نعمة الجوار بأن تستفيدوا حتى من لحظات وجودكم في هذه البقعة الطاهرة لدنياكم وآخرتكم، فهي لحظات ثمينة جداً. إن الزائر الذي يأتي إلى كربلاء، والذي يأتي إلى المضيف هو زائر الإمام الحسين سلام الله عليه وضيفه، فعليكم التحلّي بالخلق الحسن مع الزوار جميعاً، وأهم ذلك هو سعة الصدر وتحمّل المشاكل والمصاعب. واعلموا إن عملكم هذا نعمة إلهية يغبطكم عليها الكثير من الناس فأدّوا حقّها بالمطلوب وادعو الله سبحانه أن يوفّقكم أكثر، ولا تقصّروا حتى تدوم عليكم إن شاء الله تعالى، وتزدادوا مقاماً عند الإمام سيد الشهداء وعند أبي الفضل العباس سلام الله عليهما.
تواصوا بالحق وبالصبر يا أهل العراق ولا تنازعوا فتفشلوا
يمر العراق اليوم في منعطف مهم بل تمر المنطقة والعالم كلّه بمنعطف عبر العراق. فالعراقيين إن نجحوا في التزامهم بحظ أهل البيت وتجاوزوا المحنة، فبمقدار ذلك الالتزام والنجاح الذي يحقّقونه كمّاً وكيفاً وتقدّماً أو تأخراً سينعكس ذلك لصالح المنطقة كلها والعالم كله. وسيتحقق ذلك بإذن الله تعالى وبرعايته مولانا الإمام بقية الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف
من النقاط المهمة والأساسية التي أكدها القرآن الكريم وأوصى المؤمنين كافة بالالتزام بها ما جاء في قوله تعالى: «وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ». فبحمد الله تعالى بوادر هذه المهمة ملموسة ومشاهدة في أتباع أهل البيت سلام الله عليهم بالعراق ولكنها بحاجة إلى بلورة وتفعيل والتزام أكثر فأكثر، حتى يأمن العراق والعراقييون من مآسٍ أخرى
إن خطأ إداريّاً صغيراً أو تصرفاً خاطئاً صغيراً قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. فأنتم يا شيوخ العشائر الغيارى تقع عليكم مسؤولية كبيرة. فأنتم الأمل الظاهري للمرجعية وغير المرجعية حيث إن الأمل الواقعي هو بالله تعالى وبرسوله الأكرم صلّى الله عليه وآله وبمولانا الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين والإمام المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فليوصي بعضكم بعضاً بالحق وبالصبر.
كما عليكم بلملمة الطاقات والمؤمنين وبالأخص جيل الشباب فهم بناة العراق في المستقبل، وهؤلاء ليس لهم نضج كنضج الكبار ولا تجاربهم كتجارب الكبار، فاهتموا بهم وأولوهم الرعاية والتوجيه الصحيح والحسن قولاً وعملاً، أكثر وأكثر، حتى تكون النتيجة مسرّة
إن ما يجري في العراق اليوم أقلّ ما يقال عنه أنه بات يُخشى منه بل وأكثر من يخشى. فحتى الغربيون باتوا يخشون أن ينتقل إليهم ما يحدث في العراق، لأن عالم اليوم ليس كعالم الأمس فقد صار قرية صغيرة كما سمّوه. فنجاة العراق مما يمرّ به سيكون نجاة للمنطقة وللعالم بأسره. فحاولوا أن تتجنّبوا النزاع وحاولوا أن تجنّبوا الآخرين من الوقوع في النزاعات، حتى ينعم العراق وأهله بالخير والأمان.
إنّ العراق بلد أهل البيت حيث يضمّ المراقد الطاهرة لسبعة من المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم، وهذه خصيصة امتازت بها أرض العراق دون غيرها من البلاد حتى مكة أو المدينة، فحريّ به وبأهله أن ينعما بالإيمان والخير والأمان والسلام
التعبئة العلمية والتقوى الحقيقة سلّما الرقي والسعادة
أنتم الفضلاء وطلاب الحوزة العلمية وبالخصوص الشباب لستم الرعيل الأول. فقبلكم جاء الكثير من أمثالكم ودرسوا وكبروا وأدّى كل واحد منهم دوره وذهبوا إلى الله تعالى ليعيشوا في الآخرة بما أعدّوه في دنياهم، وسيأتي من بعدكم الكثير وسيدرسون، ولكن مَن منكم ومَن مِن الذين سيأتون بعدكم سيكون كالشيخ المفيد والشريفين المرتضى والرضيّ والشيخ الطوسي والأنصاري والمحقق الحلّي والعلاّمة الحلي وصاحب الجواهر والسيد كاظم اليزدي والآخوند الخراساني؟ ثم ما الذي ميّز هؤلاء الأجلاء عن غيرهم من العلماء ليبقوا خالدين؟ وما ميزة الذين عاشوا بسعادة في الدنيا وحظوا بآخرة عظيمة جداً؟
إن عمدة ما امتاز بهم العلماء الماضون كالذين ذكرتهم آنفاً هو أنهم التزموا بأمرين هما:
الأول: التعبئة العلمية. حيث كانوا يستثمرون كل لحظة من حياتهم في طلب العلم والدراسة والمباحثة، ولم يكن عندهم عطل كما هو عليه الحال اليوم في نظام الحوزة، فكانوا يدرسون شتاءً وصيفاً، وكانوا يتعرضون لأنواع الصعوبات والأذى، وكانوا يتحملون الأتعاب والمشاق ولم ينثنوا عن الدرس وكسب العلم أبداً. وكمثال عن ذلك أذكر لكم القصة التالية عن أحدهم؛ ففي أحوالهم عبرة لنا جميعاً، والقرآن الكريم يقول: «لقد كان في قصصهم عبرة».
الثاني: التقوى الحقيقية، ومعناها مخافة الله سبحانه في كل صغيرة وكبيرة. ومفتاح التقوى هو محاسبة النفس كل يوم ولو لبضع دقائق، كما أكّدت الروايات الشريفة عن أئمة الهدى الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، ومنها قول الإمام الكاظم صلوات الله عليه: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيّئاً استغفر الله منه وتاب إليه».
أنتم وأمثالكم مكلّفون بالالتزام بالأمرين الذين ذكرتهما، فلا تضيّعوا أوقاتكم ولو بمقدار دقيقة واحدة، بل استفيدوا منها بالمطالعة والمباحثة، والتدريس وماشابه ذلك، واتقوا الله تعالى دوماً في كل حياتكم، حتى تحظوا بالمنزلة العظيمة والمكانة العلمية الرفيعة التي نالها علماؤنا الأعلام من السلف الصالح، وحتى تنالوا رضا الله جلّ وعلا، وتسعدوا في الدارين
الغضب أساس تعاسة الإنسان وشقائه
إن الغضب هو أساس كثير من المعاصي، وأحياناً يكون سبب شقاء الإنسان وتعاسته في الدنيا ودخوله النار في الآخرة. فالذين يظلمون الناس يبدأ ظلمهم في كثير من الأحيان بالغضب. وهكذا بالنسبة للذين يقتلون النفس بغير حق والذين يطلقون زوجاتهم ـ وما أكثرها في عالم اليوم ـ حيث يكون أساس جريمتهم هو الغضب
إن الله تعالى أودع في الإنسان القوة الغضبية ليستفيد منها إيجابياً، أما إذا أطلق لها العنان واستخدمها سلبياً فستكون النتيجة عكسية أي سلبية، والسلبيات تنتهي بالإنسان إلى الشقاء في الدنيا والآخرة.
وهكذا الغضب هو من الأمور الموبقة جدّاً، لكن إذا كان تحت سيطرة الإنسان وأمره فسيكون مفيداً له في الدنيا والآخرة. أما إذا لم يضبط وخرج عن سيطرة الإنسان فسيجرّه إلى كثير من الموبقات ومنها الجنون والانتحار. فقد قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: «الحدّة ضرب من الجنون لأن صاحبها يندم فإن لم يندم فجنونه مستحكم». فالذي يقتل زوجته هو في الواقع مجنون. وهكذا الذي يقتل ولده أو أباه وكذا التي تقتل زوجها
يمكن التغلب على الغضب والخلاص منه وذلك بالأمور الثلاثة التالية:
أولاً: الدعاء. قال تعالى: «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَولا دُعَاؤُكُمْ». فليدعُ الإنسان ربّه بعد كل صلاة ودائماً بأن يوفقه للسيطرة على الغضب
ثانياً: التوسّل بأهل البيت الأطهار سلام الله عليهم حيث جعلهم الله تبارك وتعالى الواسطة بينه وبين عباده بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ». فليتوسّل الإنسان إلى الله جلّ شأنه برسوله الأكرم صلّى الله عليه وآله وبالصديقة الكبرى مولاتنا فاطمة الزهراء وبمولانا أمير المؤمنين وبباقي الأئمة الهداة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بعد كل فريضة وفي ليالي الجمع وفي المناسبات الدينية المهمة وعلى مرّ الأيام بأن يعينه للتغلب على الغضب
ثالثاً: العزم والمواصلة. ليعزم الإنسان على ترك الغضب وضبطه والسيطرة عليه وليواصل ذلك. فإذا عزم المرء على عدم الغضب فستقلّ حالات الغضب عنده ولا يشتدّ بأن يجرّه إلى ارتكاب الذنوب الكبيرة أو الجرائم، وتكون نقاط الضعف في صحيفة أعماله قليلة ولا ينجرّ إلى نار جهنم والعياذ بالله
إذا سلك الناس طريق الغضب فستنقلب الدنيا بؤساً وشقاءً ولا يسلم أحد فيها أبداً
إذن يجدر بالمؤمنين والمؤمنات أن يعزموا على التخلّص من الغضب حتى تسلم حياتهم وحياة غيرهم ويسعدوا في دنياهم وآخرتهم، وحتى يكونوا إن شاء الله ممن يشملهم الحديث الشريف عن مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «إذا صعدت روح المؤمن إلى السماء تعجّبت الملائكة وقالت: عجباً كيف نجا من دار فسد فيها خيارنا».
دوام الاستغفار ومحاسبة النفس أمان من الشيطان
إن كانت باب قلب الإنسان مغلقة بوجه الشيطان فإن الأخير لا يستطيع الدخول لكي يغوي الإنسان ويأمره بترك الواجبات وارتكاب الذنوب واقتراف المعاصي. فالإنسان هو بنفسه وبإرادته يكون مانعاً من دخول الشيطان إلى قلبه، أو يكون سبباً في إفساحه المجال لدخول الشيطان
إذا كذّب الإنسان كذبة صغيرة فهذا يعني أنه قد فتح باب قلبه قليلاً لدخول الشيطان، وإذا كذّب مرة أخرى وكان الكذب في المرة الثانية أكبر من الأولى واستمر على ذلك فهذا يعني أنه قد فتح الباب كلها وسهل دخول الشيطان إلى قلبه. وهكذا إذا اغتاب غيبة صغيرة، أو ظلم أحد ظلماً صغيراً واستمر على الغيبة وظلم الآخرين فإن قلبه سيكون ساحة للشيطان يسرح فيها ويمرح
إن الظالم لا يولد ظالماً، وهكذا آكل الحرام ومؤذي الناس ومن شابههم. بل إن الظلم وأكل الحرام وإيذاء الناس يبدأ بظلم صغير يقترفه الإنسان بنفسه عن جهل أو عن عمد، وإذا لم يتب فإنه سيكون السبب في تعبيد الطريق لدخول الشيطان إلى قلبه، وبالنتيجة يتفق الشيطان مع النفس الأمارة بالسوء ليصنعوا من الإنسان شخصاً كشمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس وجعدة بنت الأشعث وأم الفضل بنت المأمون العباسي ومن شابههم من المجرمين والعاصين والظالمين
إذا ابتلي المرء بدخول الشيطان في قلبه وأراد طرده وغلق الباب عليه حتى لا يدخل مرة أخرى فعليه أن يلتزم بالأمرين التاليين:
الأول: الاستغفار، فإنها مطردة للشيطان كما ذكرت الروايات الشريفة
الثاني: محاسبة النفس يومياً، فإنها تجعل باب قلب الإنسان مغلقة بوجه الشيطان، كما أكدت الأحاديث الشريفة عن أهل البيت الأطهار، ومنها قول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «من حاسب نفسه سعد».
التقصير في حقوق الآخرين
إن قصّر الإنسان في العبادات كأن لم يؤدِّ الصلاة مثلاً أو لم يصم أو لم يحجّ أو لم يلتزم بالطهارات وبباقي الأمور العبادية ثم استغفر الله وتاب إليه توبة حقيقية فإن الله يقبل توبته ويعفو عنه ويرحمه برحمته الواسعة. أما إذا قصّر في حقوق الآخرين كأن ظلم زوجته مثلاً، أو عقّ والديه، أو قطع رحمه، أو اغتاب شخصاً ما، أو بخس حق غيره، أو أهان إنساناً ما، أو سبّ وشتم أحداً من الناس، فإن الله تعالى يعاقب عليها أشد العقاب ولا يقبل التوبة من المرتكب لها إلا إذا عفا عنه من لحقه الظلم.
إن من أدنى مستويات الظلم التي يُساءل المرء عليها يوم القيامة ما ورد في الرواية الشريفة التالية: قال مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: «ألا وإن الله سائلكم عن أعمالكم حتى عن مسّ أحدكم ثوب أخيه بين إصبعيه».
الوسع في تعلّم علوم الإسلام وتعليمها للآخرين
عند تتبعنا آيات القرآن والأحاديث الشريفة نجد أنها قد خصصت لطالب علوم الإسلام درجة رفيعة جداً لم تخصّصها لغيره كمن يقيم نافلة الليل مثلاً، أو لمن يصوم شهر رمضان، أو لمن يحجّ إلى بيت الله الحرام. ومن هذه الأحاديث قول مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر».
إن وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم ليس أمراً اعتباطياً بل إنها تقوم بذلك لأنها تعلم قدر طالب العلم ومقامه عند الله تعالى. كما انها لا تقوم بعمل إلا بأمر من الله عزّ وجلّ، فقد قال تبارك وتعالى: «لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون».
طالعوا التاريخ الإسلامي فستجدون أنه قد خلّد المئات من المؤمنين والمؤمنات الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبوا مولانا الإمام أمير المؤمنين ومولاتنا فاطمة الزهراء وباقي الأئمة الهداة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، وتعلّموا منهم أصول الإسلام وفروعه وأخلاقه وآدابه وعلّموها الآخرين ليوصلوها لنا، ولولا جهود ومساعي هؤلاء لما كنا نعرف شيئاً عن الإسلام ومبادئه وثقافته
في الوقت الراهن وفي عالم اليوم المليء بالأفكار الضالة والمضلة والمنحرفة والفاسدة والذي جنّد فيه أعداء الإسلام الإمكانات الهائلة والضخمة لممارسة الإعلام الضال والمنحرف ولمحاربة مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم، يعدّ تعلّم علوم الإسلام وتعليمها الناس من أهم الأمور بل على رأسها
أوصيكم ببذل الجهد والطاقات ـ قدر ما تتمكن ـ في تعلّم علوم الإسلام وتعليمها للآخرين ولو بعقد جلسات يومية أو اسبوعية، وأن لا ينحصر همّكم في سلوك طريق العلم الحصول على الشهادات العلمية فقط، لأن هذه الأمور وأمثالها من الأمور الدنيوية التي ليس لها أي قيمة في حساب الله جلّ وعلا. واعلموا أن تعلّم هذه العلوم أفضل من عامة المستحبات من الأعمال الصالحة والعبادات. واعلموا أنكم بهذا العمل ستحظون بمنزلة رفيعة لا تضاهيها منزلة في الدنيا والآخرة | | [/size] | |
|
الزعيم مساعد المدير
عدد الرسائل : 1253 الأوسمة : السٌّمعَة : 0 نقاط : 1119 تاريخ التسجيل : 21/09/2008
| موضوع: رد: وصايا المرجع السيد الشيرازي في شهر شوال الإثنين أكتوبر 26, 2009 12:47 am | |
| وصايا قيمة بارك الله فيكِ على النقل الطيب وفقكِ الله | |
|