ها هي أيام الشهر الكريم تمر سريعا، بالأمس القريب كنا نهنئ بقدوم الشهر وها نحن في منتصفه، وفي الغد القريب سنودعه، أتى رمضان عزيزا وها هو يرحل سريعا لذا لا بد فيه من وقفة صادقة مع النفس قبل أن ينتهي الشهر، والذكي هو من يغتنم هذا الشهر ويجعل منه نقطة تغيير نحو الأفضل؟!، لذا يجب أن يسأل كل منا نفسه عن سجل إنجازاته خلال هذا الشهر على كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وقد آثرت أن أخصص هذا المقال لقطوف ونصائح رمضانية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي يجب على كل منا مراعاتها في هذا الشهر وغيره، ولكن فلنتخذ رمضان فرصة للتغيير وإصلاح ما أفسده الدهر.
رمضان فرصة لكل الذين ضربوا حول أنفسهم طوقا عزلهم عن أقاربهم- لسبب أو لآخر- بأن يكسروا هذا الطوق فيقوموا ببر الوالدين وصلة الأرحام وترك المشاحنات، فاحرص أنت وأولادك على زيارة والديك إن كنت تقطن بعيدا عنهم أو في غير محل سكنهم، وتناول معهما الإفطار، واطلب منهما أن يدعوا لك ولأولادك بالخير، واتصل بأقاربك وأصدقائك خاصة من قطعت صلتك بهم من زمن، وسارع نحو وصلهم طلبا للأجر والثواب، فرمموا المكسور وصلوا المقطوع وتقربوا من المهجور.
احرص في هذا الشهر على المزيد من التقرب من أسرتك، وراجع سلوكك معهم، فالأمور الطيبة واظب عليها وأكثر منها والسلبيات تجنبها وابتعد عنها، فاحرص كل يوم على احتضان أولادك وتقبيلهم والتبسط لهم واللعب معهم، وكن قدوة صالحة لأبنائك فلا تنهَ عن خلق وتأتي مثله، وافعل أمامهم ما تحب أن تراه منهم، ويا حبذا لو اقتطعت من وقتك يوميا جزءاً تخصصه لجلسة مع أبنائك تعلمهم فيها أمور دينهم ودنياهم، ومن نافلة القول أن أوضح لكم أن من بركات هذا الشهر الكريم وآثاره الإيجابية على الحياة الزوجية أن نسبة الطلاق تنعدم، فمن واقع سجلات تدوين حالات الزواج والطلاق خلال شهر رمضان من كل عام يتبين لنا أن نسبة الطلاق في هذا الشهر تكاد تكون معدومة تماما، فأيها الزوج لا تنس زوجتك فاشكرها على كل جهد تقوم به في البيت معك أو مع الأولاد، وأنت أيها الزوجة أشعري زوجك بحنانك وخوفك عليه وحرصك على راحته، وأكثري من الدعاء بألفة القلوب بينك وبين زوجك، وأن يعينك الله على رضاه.
اجتهد في أن تستضيف أسرتك بعضَ المساكين في البيت وتفطرهم؛ لينكسر الكبر من النفوس، وترق القلوب، وتعودهم الشعور بالجسد الواحد، فشهر رمضان فرصة للصائم للإحساس بألم الفقير ومعاناته وحرمانه؛ فكثير من المسلمين في بقاع الأرض يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ولا يجدون ما يسد رمقهم؛ فما أحوج الصائم إلى تذكر هؤلاء والتكافل معهم.
وفي حياتك العملية صم عن إهدار وقتك وأتقن عملك، فرمضان فرصة لضبط حياتنا واكتساب المزيد من السلوكيات الإيجابية، ومن أهم تلك السلوكيات سلوك الحفاظ على الوقت واستغلاله أفضل استغلال ممكن، فشهر الصوم فرصة للنفس المؤمنة للتربية على الأمانة الإخلاص والإتقان في العمل، والتخلي عن تضيع الأوقات، وكل هذا ينعكس إيجابا على الإنتاج.
وأخيراً لابد وأن تقف مع نفسك وتحاسبها وذلك بإحضار ورقة وقلم وحدد ذنوبك التي تقع فيها بكثرة، وتب منها إلى الله توبة نصوحا، وعاتب نفسك، وأكثر من الاستغفار، وبذلك يكون رمضان محطة تجديد كما قال تعالى: (هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان)، فقد جعل الله من هذا الشهر الكريم موسما للخيرات ومضاعفة الحسنات، ويسر السبيل أمام المسلمين لرفع الدرجات ولو بأقل الأعمال، فأوصيكم بحسن صيام النهار وقيام الليل وصلاة التراويح وتلاوة القرآن والذكر والصدقة، وترك المعاصي والمحرمات، وفقنا الله وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه
مما راق لي